-
القسم
مقالات توعية وإرشاد
-
عنوان المقال
كيف نُحيي النفس اللوامة
-
كتابة
علي الأزرق
-
مراجعة
أنس الضبيبي
كيف نُحيي النفس اللوامة
﷽
النفس اللوامة!
كيف نحيي النفس اللوامة؟
يقول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا
اتقوا الله ولتنظر نفسٌ ما قدمت لغدٍ} الحشر: 18]
ومن أقوال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب –رضي الله عنه وأرضاه-:
"حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم".
فالنفس كما هي أمّارةٌ بالسوء هي أيضًا تحمل الآثار الحسنة وتقود
صاحبها لكل مبتغىً حميد يناله ويقربه من الله تعالى.
والنفس اللوامة كما ورد في كتاب الروح لابن القيم: "هي تلك
النفس التي لا تثبت على حال واحدة، فهي كثيرة التردد والتقلب
والتلون، وهي من أعظم آيات الله. وهي مخلوق من مخلوقاته تتقلب وتتلون في الساعة الواحدة، فما بالك كيف تكون في اليوم والأسبوع والشهر والعام والعمر كله، نجد ألوانًا كثيرة وحالات متعددة ومتغايرة، فنجدها تذكر وتغفل، وتُقبل وتُعرض، وتلطف وتكشف، وتثيب
وتجفو، وتحب وتبغض، وتفرح وتحزن، وترضى وتغضب، وتطيع وتعصي وتتقي وتفجر، إلى أضعافِ أضعاف ذلك من حالاتها وتلونها".
لذلك يقول الحسن البصري رحمه الله: «هي نفس المؤمن، إن المؤمن لا تراه إلا يلوم نفسه دائمًا على الفعل: لِمَ فعلت هذا، وما أَردت بهذا؟ ونحو ذلك».
ولكن غيره يقول: هي نفس المؤمن توقعه في الذنوب والمعاصي ثم تلومه، وهذا اللوم من الإيمان، بخلاف الشقي، فإن نفسه لا تلومه على ذنب، بل يلومها وتلومه على فواته دون فعله.
وهناك آخرون يقولون: إن هذا اللوم للسعيد والشقي أيضًا، فالأول يلومها على ارتكاب معصية الله وترك طاعته، والثاني لا يلومها إلا على فوات حظها وهواها.
وباعتبارها سميت اللوامة فهي نوعان:
- اللوامة الملومة:
وهي تلك النفس الجاهلة الظالمة التي يلومها الله وملائكته.
- لوامة غير ملومة:
وهي التي لا تزال تلوم صاحبها على تقصيره في طاعة الله، مع بذل جهده (فهذه غير ملومة) وأشرف النفوس من لامت نفسها في طاعة الله، واحتملت لوم اللوام في مرضاته، فلا تأخذها في الله
لوم لائم.
أما من رضيت بأعمالها ولم تلم نفسها ولم تحتمل في الله لوم اللوام فهي تلك التي يلومها الله تبارك وتعالى.
وقال جُويبر: بلغنا عن الحسن أنهُ قال في قولهِ: ﴿وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ﴾ قال:
ليس أحد من أهل السماوات والأرض إلا يلومُ نفسه يوم القيامة.
وقال قتادة: ﴿اللَّوَّامَةِ﴾ الفاجرة.
والنفس لها بوادر وعلامات لإحيائها، ومن هذه العلامات:
أولًا: الذكر:
اعلم أنه ليس بعد تلاوة القرآن عبادة تؤدَّى باللسان أفضل من ذكر الله سبحانه وتعالى، ورفع الحوائج بالأدعية الخالصة إليه تعالى، والدليل على فضل الذكر
قوله تعالى: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾ [البقرة: 152] وقوله تعالى: ﴿وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَد َّاللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا
عَظِيمًا﴾ [الأحزاب: 35].
وأفضل الذكر أن يكون بالقلب واللسان، وهو من أيسر العبادات ومن أجلها
وأفضلها، والأذكار كثيرة لا يتسع المجال لذكرها، فحياة المسلم كلها: كل فعل أو قول يسبقه ذكر، قبل وعند وبعد النوم والأكل والشرب والخروج والدخول... إلخ. وهذا لمن أراد جلاء القلب وصفاءه، ولو لم يكن في الذكر إلا هذه وحدها لكفى بها فضلاً وشرفًا وهي أنه يورثه ذكر الله له.
ثانيًا: بالصلاة:
قال تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ
فَصَلَّى﴾ [الأعلى: 14، 15] وقال تعالى: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِوَالصَّلَاةِ﴾ [البقرة: 45]
ثالثًا: التوبة:
فالتوبة عملية ملازمة للنفس محيية لها، وإن التوبة المقترنة بشروطها
تمنح صاحبها شعورًا بميلادٍ نفسيًّ جديد.
والأعمال الخيرية لا تقل شأنًا عن غيرها؛ فهي عبادةٌ أيضًا تضفي روحًا عبقة وشعورًا يُعيد للنفس التوازن والتوجه نحو كل ما يثريها ويثمر في سبيل إحياءها، ولا
تجد في نفسك إلا سلوةً وسلامةً وخلوًا من مكدراتٍ ومؤرقاتٍ تُثنيك عن الطاعات ولوازمها.
لذا ذكرت النفس في القرآن الكريم في عدة مواضع من بينها: ﴿سبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ﴾ [يس: 36]، ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ﴾ [الأنبياء: 35]، ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا﴾ [البقرة:48].
وبعيدًا عن الجدل القائم حول النفس وهل هي كيان واحد مع الروح أم مختلف، فإن النفس تعرّف باعتبارها: الجانب المحرك
والموجه والمسؤول عن سلوكيات الإنسان وأفكاره ونزواته وأخلاقه وانفعالاته وتوجهاته خيرًا أم شرًا، وقد أكد القرآن هذه الحقيقة بقوله تعالى: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾ [الشمس].
ويقول الشاعر:
والنفس راغبة إذا رغبتها
وإذا ترد إلى قليل تقنع
وقد قال الإمام البوصيري رحمه الله:
والنفس كالطفل إن تُهْمِلْهُ شَبَّ على
حُبّ الرضــاع وإن تَفْـِطْمه يَنْفَطِــمِ
وجاهد النفس والشيطان واعصهـــما
وإن هما مَحَّـــضَاكَ النـــصح فاتـَّـِهــمِ
فاختر لنفسك ما يرفعها ويجنبها آفات الوقوع في الذنوب وضيقها.
اللهم آتي نفوسنا تقوها، زكِها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولها.
---------
بعض المراجع:
- كتاب الروح لابن القيم
- مختصر منهاج القاصدين
- تفسير ابن كثير - ابن كثير (774ه)