-
القسم
مقالات نقد التيارات المعاصرة
-
عنوان المقال
النسوية ومآلاتها الزائفة
-
كتابة
مطيع إبراهيم
-
مراجعة
علي الأزرق
النسوية ومآلاتها الزائفة
الرابعة عصرًا من ديسمبر.
بداية تلك الليلة الباردة، أفتح هاتفي لأتصفح الجديد وما ذرأ على مواقع التواصل، يظهر أمامي مقطع لمصطفى الآغا "مذيع"، هممت بتجاوزه لو لا أنني لاحظت عنوان ذلك المقطع، " شاهد نهاية النسويات"
يسألها مصطفى الآغا: ما هو أكثر شيء ندمتِ عليه في حياتكِ؟
تُجيب: "أكثر شيء، أنني فضلت الفن على الزواج لأنني كُنت مقتنعة أن الزواج مجرد شيء كمالي لا أساسية له".
وقتها بدأت أُفكر ماهي النسوية؟ وما أصلها؟ ولماذا تَلقى كل هذا الترويج بين أوساط نساء المجتمعات في عصرنا؟ من يَقفُ خلفها؟
وهل لها ارتباط بالعلمانية؟
كُل شيء دار في ذهني ثم عاد بشكل ما يطرق باب أفكاري قائلًا: "يَجب أن تبحث عن ذلك".
السلام عليكم جميعًا..
النسوية في منظور من يعتنقها:
هي جماعة وأيديولوجية تسعى للمساواة بين الرجل والمرأة في شتى مجالات الحياة، الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وحتى العسكرية.
لحظة!
هل حقًا يمكن لجوهرة مكنونة أكرمها الله في ديننا وجعلها أساس بناء المجتمعات وجعل الرجال في خدمتها وتوفير ما تريدهُ أن تتقدم صفوف القتال وتحارب؟
أيضًا: هل يمكن للمرأة الحامل في آخر أشهرها أن تقوم بأعمال البناء في المناطق الصناعية وتقوم بحمل أكياس الاسمنت بحجة المساواة؟
المساواة بحد ذاتها ظالمةٌ لهنْ، أي ذئبٍ قذر أقنع النسويات أنه "لكي تكوني امرأة ذات قيمة
لا بُد أن تنسلخي من قيمكِ وأنوثتكِ، أن تختلطي وتعملي أشياء فوق قدرة تحملك بحجة استقلاليتكِ".
تقول الكاتبة: ملاك إبراهيم الجهني وهي تتحدث على النسوية:
"ترجع بدايات الحركة النسوية إلى قرن ونصف تقريبًا، إلا أن انبثاث الأفكار النسوية الغربية في النتاج الفكري للمسلمين بدعوى احتكاكهم بالحضارة الغربية في أواخر القرن التاسع عشر". كانت مصر في مقدمة البلدان التي احتضنت تلك الأفكار في مؤلفات أشهرها كتاب قاسم أمين:
تحرير المرأة الصادر في عام 1899م، وكتاب المرأة الجديدة الصادر في عام 1900م.
أما الانتساب إلى النسوية (feminist) فقد ظهر لأول مرة في العالم العربي في تعريف منظمة الاتحاد النسائي المصري والمنتسبات إليها في عام 1923م.
"ولا يتردد هذا التيار منذ نشأة بذرته الأولى في القرن 14هـ – 19م، في إنكار المعلوم من الدين بالضرورة، ويرجع ذلك إلى سببين أساسين وهما حق الاجتهاد المفتوح، وواجب الكشف عن اختطاف الدين من الفقه الذكوري، ويتركز وجود الداعيات إلى هذا الفكر في دول جنوب أوروبا وفي فرنسا وبلجيكا بالإضافة إلى أمريكا الشمالية، ومن أبرز رموز هذا المسلك الكاتبة الأمريكية (آمنة ودود)".
والبحث الحصيف والمكثف عن هذا الأمر يجْعل المرء يُدرك حجم الكارثة التي تدعو إليها منظمات النسوية.
في البداية وفي القرن التاسع عشر كانت أوروبا وغيرها من الدول تمتهن المرأة حد البشاعة،
وكانت روايات كتبهم "المحرفة طبعًا" تجعلها سبب كل مشكلةٍ منذ أن كان أبونا آدم في الجنة!
ذلك شكّل سببًا كافيًا لتلك المنظمات أن تنخرط في المجتمع في فترة سُميت بفترة تحرير المرأة
لكن سرعان ما اتضح أن لها توجهات أخرى.
قرنانِ من الزمان ولا تزال تلك المنظمات تنادي وتسعى كي تساوي الرجل بالمرأة في عديد من المؤتمرات والمنظمات،
لكن عند النظر إلى تلك الحركات والمنظمات النسوية والمنهجية اللادينية التي تنتهجها
سندرك أن هدفها هو تغرير المرأة وجرها إلى مستنقع الرذيلة ووليدة حكومات ومجتمعات غربية لا تمتلك أدنى مقومات إنصاف المرأة، فبتلك المسميات تم استغلال المرأة أبشع استغلال
وجُعلت أداة عمل كي تعيش وتكون معيلةً لنفسها وأسرتها.
وبعد أن عرفت كل هذا تطرقت برهةً من الزمن ثم أخذني التفكير ما علاقة تلك المنظمات بالفكر العلماني؟
الكاتبة نورة بنت عبد الرحمن الكثير في مقال لها بعنوان: الحركة النسوية (من المطالب الى المثالب) تقول:
"والمتتبع لسلسلة مطالب الحركة النسوية على اختلاف تياراتها (الليبرالية -الماركسية -الراديكالية)، والأخيرة هي الأكثر خطورةً وتطرُّفًا على المجتمعات، ويمثِّل هذا التيار (منظمة فيمن femen الأوكرانية)، يجد أنها بدأت بالمطالبة بحق التصويت والتعليم المختلط، حتى وصلت إلى حرية الإجهاض والزواج مِن نفس الجنس أو ما يُسمَّى بزواج المثليين، الذي أقرَّتْه بعض الدول الأوربية ووقَّعته أمريكا لاحقًا.
ولم تقف تلك المطالب عند هذا الحدِّ، فحتى اللغات لم تسلم من محاولة تشويهها والمطالبة بحذف المفردات والضمائر الدالة على الأُنثوية، وتبعتها المنظمات النسوية العربية مُطبَقة الأعين عندما تقدمت هدى شعراوي، بطلبها إلى المجمع اللغوي في القاهرة والمجامع العلمية العربية بأن تُحذف نون النسوة من اللغة العربية!"
من هنا أدركت أن النسوية هي محاولة علمانية ذو أفكار شاذة لطمس هويتنا الإسلامية وقيمنا المبنية على احترام المرأة بحجة واهية كاذبة لا صحة لها في واقع تلك المنظمات ألا وهي:
تحرير المرأة وإعادة حقوقها التي استعادها الإسلام منذ نشأته!
وقد بدأت مجتمعات أوروبا تشيخ شيئًا فشيئًا بسبب رفض الجيل الجديد من الشابات فكرة الزواج الذي انتهجته المرأة التقليدية في محاولة يائسة للاستغناء عن الرجل مما ساهم في انخفاض معدلات الزواج، مما أثر سلباً في نواحٍ عدة، أهمها شيخوخة اليد العاملة وتضرر الجانب الاقتصادي.
ويُضيف عالم الاجتماع الأمريكي ديفيد ريسمان قائلًا: "إن المرأة الحديثة المتحرِّرة لا تزال -رغم كل مزاعم هذه الحركة -في حاجة إلى الرجل والعيش في كنفه بالطريقة نفسِها التي كانت جدَّتها تنظر بها إلى تلك العلاقة، وأن الكثير من النساء (النسويات) يتعرَّضْنَ للضغوط النفسية ذاتها التي تتعرَّض لها المرأة التقليدية إذا ظلَّتْ مِن دون زواج وعاشت بمُفرَدها دون تكوين أُسرة".
أما الكاتبة الأمريكية سوزان فالودي، فأعربتْ بقولها: "الرافضون للمطالبة بتحرير المرأة يؤكدون أن هذه المطالب لم تجلب للمرأة -خلال عقود من الزمان- إلا التعاسة والشقاء والأمراض النفسية والفقر وفقدان الخصوبة وانتشار الشذوذ، وأن عودة المرأة للمنزل والتعامل في ضوء طبيعتها هو الكفيل بإنهاء هذه المشكلات".
حسنًا، رغم كل تلك المشاكل لماذا لا يناهض تلك المنظمات والجمعيات أحد؟
لا يا صاحبي فتلك المنظمات بدأت تتراجع،
في الفترة المنصرمة حتى أشد المعارضين للذكور باتوا ينشقون عن تلك الحركة وأهمهم الكاتبة البريطانية "بترونيلا وايت".
ووفقا لصحيفة "الديلي ميل" البريطانية التي نشرت مقالات للكاتبة البريطانية وأرفقته بعنوان "بترونيلا وايت تنقلب على الحركة النسوية بعد أن أمضت عمرها في الدفاع عنها".
بعد قضاء معظم حياتها في الدفاع عن الحركة النسوية، تُعبر الكاتبة البريطانية "بيترونيلا وايت" عن ندمها قائلة: "أنا عازبة وبلا أطفال ووحيدة، لقد خذلتني الحركة النسوية وخذلت جيلي كله أشعر بشكل متزايد، كما تشعر صديقاتي المقربات، أن الحركة النسوية قد خذلت جيلنا. وأعتقد أحيانًا، وكذلك صديقاتي، بأن الغرب١ قد تجاوز الفلسفة النسوية وأصبحت ضارة. فأين في هذا العالم تُترك النساء مثلنا حتى نصل إلى منتصف الخمسينات من العمر ونجد أنفسنا وحدنا؟ هل تعلمون أن واحدة من كل عشر نساء بريطانيات في الخمسينات من العمر لم تتزوج قط وتعيش بمفردها! وهو أمر مؤلم وغير صحي.
من المحبط بنفس القدر أن العديد من النساء العازبات يشعرن بأنهن فشلن في الحياة. وبعيدًا عن تمكيننا، جعلتنا الحركة النسوية غير آمنين.
قالت لي صديقتي سالي البالغة من العمر 55 عامًا: "أشعر دائمًا بأني شخص غير مرغوب به كامرأة، لأن الحركة النسوية علمتنا أن الأنثى التقليدية هي صورة نمطية اخترعها الرجال لإبقائنا تحت سيطرتهم، وبناءً على ذلك كنت معادية للرجال إلى حد إبعادهم، والآن ها أنا أدفع ثمن ذلك.
أقولها بوضوح، لقد حان الوقت لإعادة التفكير في هذه الثقافة واسترجاع الثقافة التقليدية. ربما يكون الوقت قد فات بالنسبة لي ولصديقاتي، ولكن لا ينبغي لنا أن نسمح للحركة النسوية بأن تدمر حياة الأجيال القادمة أيضًا".
أظن أن وايت قد اختصرت لكم كل شيء بما قالته من واقع ووحي تجربتها، أما أنا فقد وضعت كوب قهوتي بعد أن تأكدتُ يقينًا أن ديننا كان ولا يزال أكثر من يُقدر المرأة ويحترمها ويصونها ويحافظ عليها؛ وأختم مقالي بما قاله الدكتور حامد الادريسي حين قال:
س: من الذي حفر الأنفاق؟
ج: الرجل.
س: من الذي صنع الأسلحة؟
ج: الرجل.
س: من الذي خطط للمعركة؟
ج: الرجل.
س: طيب، ماذا قدمت المرأة؟
ج: الرجل.
هذا هو الاعتراف الحقيقي بدور المرأة؛ لذلك فإن النسوية في حقيقتها احتقار للمرأة وسخرية بها؛ لأنك حين تضعها في منافسة مع الرجل يتضاءل دورها حتى يصير لا شيء، أما حين تنظر إليها بعين العدل فإنك ترى دورها مكافئًا لدور الرجل في الأثر، مع أنها قارة في بيتها، فوراء كل عظيم أم، والأم هي المرأة، فالرجل هو الذي يصنع ما نراه في الحياة والمرأة هي التي تصنع الرجل!
والسلام لكم جميعا.
• مراجع ومصادر:
- قضايا المرأة في الخطاب النسوي المعاصر للكاتبة: "ملاك ابراهيم الجهني".
- مقال بعنوان: "الحركات النسوية (من المطالب إلى المثالب) للكاتبة نورة بنت عبدالرحمن الكثير.
- مقال لعالم الاجتماع الأمريكي ديفيد ريسمان.
- مقال للكاتبة الأمريكية سوزان فالودي.
- مقال في صحيفة الديلي ميل البريطانية بعنوان: "بترولينا وايت تنقلب على الحركة النسوية".
- المرأة صانعة الرجال للدكتور: حامد الإدريسي.