• القسم
    مقالات نقد التيارات المعاصرة
  • عنوان المقال
    اليوغا ، رياضة عالمية أم معتقدات وثنية
  • كتابة
    سلام الزبيري
  • مراجعة
    علي الأزرق

اليوغا ، رياضة عالمية أم معتقدات وثنية

Course Image

اليوغا
إذا ذكرت هذه المصطلح أمام مجموعة من الشباب -فإنك في الغالب- ستجد إجابة مجملة عند الجميع، (أنها رياضة) ولو طلبت من أحدهم أن يفصل لك بما يعرفه عن اليوغا فإجابته لا تكاد تتجاوز القول (بأنها أحد الأنشطة المدرسية التي كان يمارسها بصالات المدرسة في حصص البدنية)، أما من استطاع بمعجزة تجاوز حبال مروجي اليوغا في فترة التعليم المبكر (المدارس) ففي الغالب سيُجيبك (بأنه سمع عنها كثيرًا في برامج الصباح التلفزيونية والإذاعية، وأنه لا يمانع في تعلمها لعله يجد فيها ذلك الهدوء والراحة المكتوبين في شريط البرامج!).

قد لا أستغرب وجود هكذا مصطلح أجنبي الصوت "اليوغا" في حياتنا المعاصرة وذلك لأننا أمة غلب عليها استيراد منتجات الثقافة الغالبة، ولكن هل اليوغا مجرد رياضة استوردناها كغيرها من الرياضات أم أن لها أصول وجذور فلسفية ودينية؟


تعريف اليوغا..

كما هو معلوم أن مصطلح اليوغا ليس له أصل في قواميس اللغة العربية وإنما هي كلمة معربة جاءت من لغة أجنبية أخرى، ولمعرفة الدلائل الإبستمولوجية لأي كلمة يجب العودة لأصلها الجذري الأول، مصطلح يوغا يأتي من الجذر السنسكريتي (يوغ) (योग)
والذي يعني "الإتحاد" أو "الإندماج" ، واللغة السنسكريتية هي أحد لغات الهند القديمة وبها كتبت أغلب الكتب الهندوسية المقدسة، أما في وقتنا المعاصر فهي لغة من أصل 22 لغة موجودة في الهند، وتعتبر الثانية بعد اللغة الرسمية والأولى عند رهبان الهندوسية.

تُعّرف وزارة الآيوش الهندية اليوغا بالقول: "إن المعنى الحرفي للكلمة السنسكريتية يوغا هي (يوغ)، ومن ثم يمكن تعريف اليوغا بأنها وسيلة للإتحاد بين الروح الفردية والروح الكونية للإله"، فيما تُعرف وزارة الشؤون الخارجية الهندية اليوغا بالقول: "وفقًا للنصوص اليوغية المقدسة فإن ممارسة اليوغا توصل إلى الإتحاد بين الوعي الفردي والوعي الكوني، وتشير إلى الإنسجام التام بين العقل والجسد، وبين الإنسان والطبيعة".

من يتأمل في هذه التعاريف السابقة وهي تعاريف صادرة من جهات رسمية في الهند (وزارة الآيوش ووزارة الشؤون الخارجية) ثم يتأمل حال بعض الشباب الذي لا يجد بُدّاً من كتابة يوغا بخطوط إنجليزية عريضة على بروفايل حساباته في مواقع التواصل الإجتماعي ليضرب بها وجه كل متصفح، فهل يتصور هذا الشاب أن ما كتبه هو مجرد ترجمة لجملة (الإتحاد مع الإله!)؟ لكم أن تتخيلوا بأن هذا الوصف يكتبه مسلم ربما لا تفوته تكبيرة الإحرام في الصف الأول في المسجد!

الجذور الفلسفية لليوغا ..

من التعاريف السابقة يستطيع القارئ أن يبني تصورًا عن مدى الترابط بين الهندوسية وممارسة اليوغا، ولتعميق هذه التصور وبيان حجم هذا الترابط يجب أن نذكر المركزيات والأصول الكبرى التي تقوم عليها الهندوسية.
الهندوسية تتكون بشكل أساسي من ستة مدارس، ثلاث منها اندثرت وهي: النيانا، والفايشيشيكا، والميماسا. وثلاث لا تزال باقية إلى يومنا، وهي: السامخيا، والفيدانتيا، واليوغا. إذًا، يمكن القول بأن اليوغا هي ثلث الديانة الهندوسية، يقول:"سوامي نيثياناندا" وهو غورو هندوسي: "أن اليوغا لا يمكن فصلها عن الهندوسية" وفي نفس السياق يقول بروفيسور الدراسات الهندية في مركز أوكسفورد الدكتور نيكولس سوتن: "هل اليوغا هندوسية؟، بكل تأكيد، بل لا يمكن أن تفهم ما هي اليوغا ولا يمكن أن يكون لها وجود خارج ذلك السياق"، ويضيف: "هي متجذرة كلياً في المفاهيم الهندوسية".

والعقائد المركزية في الهندوسية والديانات المنبثقة منها كالبوذية والسيخية والجاينية تقوم على أربع أركان رئيسية هي:

١- تناسخ الأرواح: أي انتقال الروح من جسد لآخر بعد الموت في دائرة مغلقة تسمى بـ "دوامة التناسخ".

٢- الكارما: وهو القانون الذي يحدد أين ستذهب الروح في عملية التناسخ ويعتمد ذلك على نمط حياة الشخص في حياته السابقة، فالصالحين يذهبون لحياة الثراء والسعادة فيما يذهب الفاسدين لحياة الفقر والشقاء.

٣- الموكشا: ويقصد به انتهاء "دوامة التناسخ" وخروج الروح من الدائرة المغلقة والمعاناة ولذلك يعتبر الهندوس الموكشا الهدف الأسمى للخلاص، ويتم ذلك بتحرير الروح من الجسد المادي واتحادها مع البراهمان اي الإله، وهذه العقيدة الفاسدة عُرفت في السياق الإسلامي بالحلول والإتحاد وقد رد علماء الإسلام عليها قديمًا ومنها رد شيخ الإسلام ابن تيمية على الصوفية القائلين بالحلول والإتحاد حيث قال: "من اعتقد ما يعتقده الحلاج من المقالات التي قتل الحلاج عليها فهو كافر مرتدّ باتفاق المسلمين؛ فإن المسلمين إنما قتلوه على الحلول والاتحاد ونحو ذلك من مقالات أهل الزندقة والإلحاد كقوله: أنا الله، وقوله: إله في السماء وإله في الأرض. وقد علم بالاضطرار من دين الإسلام أنه لا إله إلا الله، وأن الله خالق كل شيء، وكل ما سواه مخلوق". (مجموع الفتاوى (3/480))

 

٤- اليوغا: أي الإتحاد وهي وسيلة حصول الموكشا والخروج من المعاناة إلى الألوهية! لذلك يقول أحدهم: "دائمًا ما أصف اليوغا بأنها السلم للوصول إلى الألوهية"، وقال آخر: "إن أساس تقنية اليوغا يتعلق بما سأذكره الآن، أن تحول ذاتك من مجرد مخلوق إلى الخالق نفسه!، أنها ليست بحثاً عن الإله بل بحثاً لتكون أنت الإله، إنها ليست بحثاً عن الألوهية بل بحثاً عن نيل الألوهية"

(أعاذنا الله من مقالهم وعقيدتهم القبيحة).


هل يمكن تجريد اليوغا عن جذورها الفلسفية وممارستها كرياضة؟

يقول "براشانت" أحد كبار معلمي اليوغا:
"لا توجد يوغا جسدية ويوغا روحانية، إذ إنها لو اقتصرت على الجسد لم تعد يوغا".
ويقول البروفيسور "نيكولس سوتن":
"هي متجذرة كليًا في المفاهيم الهندوسية، ولذلك كل من يقول: أنا أمارس اليوغا دون الرجوع للهندوسية فموقفه غير قابل للاستمرار، لأن اليوغا متضمنة بعمق في الوعي الهندوسي والنظرة الهندوسية للحياة، لدرجة أن أي محاولة للفصل بينهما ستكون سطحية ومصطنعة".

ومن تأمل في قول براشانت "لو اقتصرت على الجسد لم تعد يوغا" وقول سوتن "أي محاولة للفصل بينهما ستكون سطحية ومصطنعة"، أدرك عبثية محاولة الفصل بين اليوغا وجذورها الفلسفية، وهذا الأمر أشبه بأن تأتي جماعة وتمارس رياضة معينة تقتبس أغلب وضعياتها من الركوع والسجود والجلوس من صلاة الإسلام ثم بعد ذلك ينكرون وجود علاقة بين ممارساتهم اللصوصية وبين صلاة المسلمين، ولفظ "اللصوصية" ليس لفظًا اختلقته بل هو الوصف الذي يطلقه معلمي الهندوسية لمن يمارس اليوغا كروحانية لا كشعيرة، يقول أحدهم: "اليوغا شعيرة، وكل من يدعي بأن اليوغا روحانية فهو لص".

واليوغا بوضعياتها المختلفة وترانيمها مستندة بشكل أساسي على كتاب "يوغا سوترا" لبتنجالي، ويعتبر هذا الكتاب أحد أهم كتب الديانة الهندوسية ومنه أخذت بقية كتب الهندوس ممارسات ووضعيات اليوغا.

فلا ينكر بعد هذا المقال علاقة اليوغا بالهندوسية إلا جاهل أو ملبس


هل اليوغا محرمة؟

للإطلاق الحكم الشرعي في أي مسألة وجودية نحتاج إلى معرفة أمرين :
1. معرفة حقيقة الأمر
2. المعرفة الشرعية الكافية
وقد بينا آنفاً حقيقة اليوغا وبقي معرفة المتعلقات الشرعية لهذه الممارسة .

يأتي تحريم ممارسة اليوغا من جهتين :
الجهة الأولى : الإعتقاد الفاسد ، سواء كان مما يتعلق بحق الله سبحانه وتعالى كقولهم بوحدة الوجود والحلول أو كان من إعتقاداتهم الفاسدة في الإنسان بالقول "أن الإنسان شرارة إلهية تائهة" "وأنه إله نفسه!"

الجهة الثانية : التشبه بالكفار ، وأحوال المشابهة حالين:
1. ما كان في أصل ديننا : فهذا لا يدخل في التشبه بالكفار وأن عملوا به كالحجاب وإطلاق اللحية ..الخ

2. ما ليس له أصل في ديننا وهذا على ثلاث أحوال:
• ما كان من خصائص دينهم فهذا أشد أنواع المشابهة خطورة
• ما كان من خصائص أعرافهم ، وهذا النوع من التشبه محرم ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من تشبه بقوم فهو منهم"
• ما ليس من خصائص دينهم ولا أعرافهم، وهنا ينظر إلى المصلحة فإن وجدت كانت الإباحة والا فالأصل مخالفة الكفار لقوله صلى الله عليه وسلم "خالفوا المشركين" ولأن التشبه يخلق في النفس شيء من المودة للكفار يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- :
المشابهة في الظاهر تورث نوع مودة ومحبة، وموالاة في الباطن، كما أن المحبة في الباطن تورث المشابهة في الظاهر، وهذا أمر يشهد به الحس والتجربة.
وهذا من الأمور المشاهدة في الحياة المعاصرة ومن ذلك ما يجده الشخص المتابع للمسلسلات أو الأفلام الأجنبية كالأمريكية والتركية والكورية وكذلك الأنميات اليابانية من الألفة مع ثقافة هؤلاء - وإن ادعى خلاف ذلك - ، ونفس الأمر لمن يشجع الأندية الرياضية الأوروبية فإنه يجد في نفسه انتماء لبلدان تلك الأندية ولا ينكر ذلك إلا مكابر


والحمد لله رب العالمين..