• القسم
    مقالات توعية وإرشاد
  • عنوان المقال
    طالب يوشك على التخرج
  • كتابة
    علي الأزرق
  • مراجعة
    سلام الزبيري

طالب يوشك على التخرج

Course Image

بسم الله الرحمن الرحيم
في بداية هذا المقال الذي أرجو أن ينتفع به من قرأه -سواءً كان مهتم أم غير ذلك-، فنحن عندما نكتب نأمل أن يقرأ أحدهم ما كُتب وأن يقع أثره على شخص ما وينتفع به.
لذلك أود أن أشكر من أخذ من دقائقه الثمينة لقراءة ما كُتب هنا عله يلتمس شيء بداخله ويصلح حالًا من أحواله.
الجميع يعلم الحالة التي يرجوها الكثير في نيل رُتبٍ ومسمياتٍ مرموقة، وشهاداتٍ عالية، وإنجازاتٍ لا تُقدرُ بعد كدٍّ وتعبٍّ أمضاه طيلة سنواتٍ -قلّت تلك السنوات أم زادت-، إذ لا فرق في ذلك، غير أن الاسم والحالة التي يرجوها الطالب معلومة ومسموعة لدى كل متخرجٍ أو على من أوشك التخرج، فتجده يبذل في سبيل نيل أعلى رتبة أو مكانه الغالي والنفيس، ولا يعلم حقيقة ما يمكن أن توفره له تلك المكانه أو الرتبة من محامد ومكارم ولا يأبه بذلك، غير أنه يريد تحقيق ذلك مهما كان الثمن، والعاقل اللبيب من علم قدر مكانته واستغل ذلك في سبيل تحقيق غاياتٍ نبيلة تُساهم في بناء ذاته وتعزيزها وبناءها بناءً طيبًا، والعلم الذي لا يهذب صاحبه ليس علمًا وإنما وبالًا عليه، وقد عافرت وعايشت الكثير خلال مسيرة أربع سنوات، وبعد أن أوشكت على رفع قبعة التخرج، أردت أن أبني بعض النصائح والتوجيهات التي لا بُد من تسطيرها، لعل هناك من ينتفع بها:
أولًا: الوقت: للوقت أهمية كبيرة لطالب العلم في جميع مستويات تعلمه، سواءً التعليم الجامعي أو التعليم الشرعي أو غير ذلك، وقس ذلك على كل طالب علم؛ فإذا لم يستطع الطالب إدارة وقته وكيف يمكن أن يستخدمه؛ فسيضيع عليه الكثير من الخير الذي يرجوه ويود أن يحضى به في ظل المشتتات والملهيات في الواقع وعلى المواقع، فالوقت أداة ركيزة وشيء مهم لدى الشاب المسلم في تخطي عتبة الاختزال، وضياع عمره في شيء لن ينفعه ولن يفيده، ولو أحسن استغلال الوقت لسمت له قيمٌ يُضاهي بها أعالي الجبال، فالوقت رأس مال الأمة في ظل هذه المتواترات، ولعظيم أهمية الوقت والتنظيم وعدم التساهل في إهداره، فقد جاء سبحانه وتعالى في تعليمٍ وتربيةٍ لنا على تنظيم الأعمال والقيام بها في مواقيتها المحدَّدة، فقال سبحانه: ﴿إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابًا موقوتا﴾ [سورة النساء، الآية: ١٠٣] ، وهذا نموذجٌ عظيم لأهمية الوقت.
«فالصلاة تتكرر في اليوم والليلة خمس مرات، فإذا أداها المسلم في أول وقتها كما طُلبت منه، غرست في سلوكه خُلُق الحِفاظ على الوقت، والدقة في المواعيد، والانتباه لتوقيت كل عملٍ بوقته المناسب له، المُوصِل إلى الغايةِ منه على الوجه الأتم الأكمل»
من كتاب: [قيمة الزمن عند العلماء، ص ١٠].
ثانيًا: الإخلاص: كونك شابًا مسلمًا تود أن يكون علمك وتعلمك وعملك خالصًا لوجه الله تعالى، سائرًا وفق تعاليم وتوجيهات تعينك في أمر دينك ودنياك، فينبغي لك أن تُخلص في كل خطواتك وفي كل أمرٍ ترجوه من أمر دنياك -حتى وإن كان ذلك في طلب شيءٍ دنيوي تريد به علوًا ومرتبةً تمكنّك من الصعود ونيل الرتب-، فالإخلاص من أهم أعمال القلوب، ولا شك أن أعمال القلوب هي أصل كل مسألةٍ: فهي أصلٌ لمحبة الله ورسوله ﷺ، والتوكل عليه، والإخلاص له، والخوف منه في كل صغيرةٍ وكبيرة والرجاء له. فيجب على طالب العلم أن يكون مخلصًا لله -عز وجل-، لا يريد رياءً وسمعةً، ولا ثناء الناس ولا مدحهم وحمدهم؛ فمدح الناس لا يُعلي ولا يُسقط؛ فاخلص تنل.
ثالثًا: التقوى: أن تتقِ الله، يعني: أن تخافه في كل موطن، وأن تعبده بفعل الواجبات والمستحبات، وترك المحرمات والمكروهات الصادرة عن خوف الله وخشيته ومحبته، قال تعالى: ﴿وإيَّـٰىَ فاتقُونِ﴾ [البقرة: ٤١].
فطالبُ علمٍ لا بُد وأن يتقِ الله، وموضع التقوى القلب كما في حديث مسلم عن أبي هريرة: «... التقوى هاهنا» ويشير إلى صدره ثلاث مرات. قال النووي: «قول ﷺ: «التقوى هاهنا» ويشير إلى صدره ثلاث مرات، وفي رواية: «إن الله لا ينظر إلى أجسادكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم» [مسلم: ٢٥٦٤] معنى الرواية الأولى أن الأعمال الظاهرة لا يحصل بها التقوى، وإنما تحصل بما يقع في القلب من عظمة الله تعالى وخشيته ومراقبته» [شرح النووي على مسلم: ٩٤/١٦].
رابعًا: الأخلاق: عندما نسمع عن الأخلاق وهيئة صاحب الخُلق الحسن، نود أن نراه ونرى وقاره وكيف أن الأخلاق زيّنته وجعلت هيئته ذو شجونٍ لدى الكثير، فيحظرنا كلام الله -تعالى- حينها عن وصف أجمل وأكمل من اتصف بالخُلق الحسن على أكمل وجه، وهو سيد بني آدم محمدٍ ﷺ، فقال: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظيمٍ﴾ [القلم: ٤] فكيف لو أن صاحب علمٍ تزين وجعل الأخلاق مبدأً لهُ في تعامله مع الآخرين، وكيف أن أثر ذلك سيُطال شريحةً كبيرةً جدًا في محيطه، وفي الوقت ذاته يتأثر الناس بالصفات والأخلاق الحسنة؛ فيجب أن تنعكس الأخلاق الفاضلة على الأفعال والأعمال وطريقة التعامل بين الناس، وألا تكون مجرد أخلاقٍ بالاسم، فالإنسان الذي ينادي بالصدق عليه أن يكون صادقًا في جميع أقواله وتعاملاته وألا يناقض نفسه أبدًا، ومن المعروف أن الإنسان صاحب الأخلاق الحسنة يستقي أخلاقه من دينه أيضًا، لأن الدين هو الأخلاق، والقدوة الحقيقة في الأخلاق الفاضلة هو النبي ﷺ، إذ قال: «إنما بُعثت لأُتمم مكارم الأخلاق».
فبالأخلاق يحيا المجتمع، ويصبح صالحًا، ولا بُد لصاحب وطالب العلم أن يجعل ذلك نبراسًا له، كي يكون قدوةً لغيره ممن يرتادون دور العلم والعبادة.
ومن هنا يتضح أهم ما يمكن لطالب العلم الإتسام به والتسلح به عندما يريد نيل معالي الأمور في حياته، والبعد عن كل ما يواجهه في طريقه من مسالك لا يريد أن يسلكها لا سيما وهو قد عرف وجهته التي يريد الوصول إليها؛ إذ عامل الوقت والإخلاص والتقوى وكذلك الأخلاق، من الأشياء التي لا بُد له منها، وإلا فلا نفع ولا فائدة في ما تحَصّل عليه طوال سنوات تحصيله للعلم الذي بذل له وقته وعمره وماله.
فخذ العلم بحقه ترقى وتعلو؛ فبقوة العلم تقوى شوكة الأمم.