• القسم
    مقالات توعية وإرشاد
  • عنوان المقال
    أيُ الفريقين
  • كتابة
    أسامة البركاني
  • مراجعة
    علي الأزرق

أيُ الفريقين

Course Image

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله الذي على العرش استوى، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للورى، وعلى آله وصحبه أُولي الفضل والنُّهى ماتعاقب النهار والدُجىّ.
كنت مارًا ذات يومٍ غائمٍ في صباحٍ باكرٍ إلى جامعتي لابتدئ يومي الجامعي كسائر أيامي، فإذا بي أرمق من على نافذة الحافلة التى تَقِلُّني إلى الجامعة عبارة قصيرة مكتوبةً على حائطٍ في مفترق الطريق الرئيسي، فما إن تمعنتها حتى لامست شغاف فؤادي، وعانقت أوصالي، وكأن صارِخًا يصرخ فيَّ أن استيقظ وانظر لِما تقرأ، فأعدتُ قرأتها في ذهني مرة أخرى وثالثة ورابعة، وكانت هذه العبارة القصيرة: «تحديد الموقف واجب»، فما لبثت غير هُنيهةً إلا وآياتٍ من الذكر الحكيم تخطر في بالي، تتحدث عن المفاضلة بين حزب الله وحزب الشيطان؛ بين أصحاب الجنة وأصحاب النار، بين أصحاب اليمين وأصحاب الشمال، بين أصحاب الهدى وأهل الغيّ، بين أهل الإيمان والإحسان والإخلاص، وبين أهل الكفر والنِفاق والريّاء، بين من استجابوا لله وللرسول وأطاعوا ومن تخلفوا ومرقوا وما استجابوا، بين أولئك الخُلّص الذين اصطفاهم الله وأيدهم ودحر وأضعف كيد الشيطان تجاههم، وبين أؤلئك الذين تذبذبوا وخاروا و قالوا: ﴿ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا﴾.
ما استرسل في تفكيري هو المفاضلة والتباين بين الشباب خاصة؛ شباب جيل الألفية، فما لبثت إلا ووجدتُ نفسي أفاضل، بين شباب ترعرعوا في المساجد وتحت ظلال القرآن والأحاديث الصحاح ونهلوا من مجالس العلم ورحيق الإيمان، وبين شباب ما عرفوا لما سبق ذكره طريقًا وما عرفت وُجُوههم قِبلةً، وما عُفِرّت جباههم في سجدةٍ لله على التراب يومًا، بين شبابٍ جعلوا هموم أمتهم لهم زادًا واقض مضاجعهم الآم تراكمت ومخططات حِكت، وإتفاقياتُ كيدٍ وبُغضٍ على أمة الإسلام انعقدت، ومؤسسات ومنظمات لذلك أقيمت وأنشأت. نغص شبعهم وراحتهم جوع إخوانهم المسلمين في أصقاع الارض قاطبةً وكدر بقاء إخوانهم في الملاجئ بين سياط البرد القارص والفقر المدقع، وشباب لا يُعيرون لجيرانهم بالًا ولا لجراحٍ في جسد الأمة اعتبارًا، بل هم بأفعالهم جرحٌ فوق جرح، وآهٍ فوق آهٍ، لا تراهم  يكترثون إلا لبطونهم ولإشباع رغباتهم وشهواتهم، إن جالستهم أغرقوك بالهم الموهوم، والحزن المكذوب الذي لا يبرح ان يغادر نداءً لإشباع غرائز بطونهم وشهواتهم.
تذكرتُ شبابًا لم يتركوا ميدان من ميادين الطاعات إلا ولهم السّبق، تراهم أول السابقين قربةً لله وابتغاء وجهه الأعلى، وشبابٌ رُبما لا يعلم الطريق المؤدي إلى مسجدِ حيّهم، تراهم في ميادين المعاصي حاضرين وإلى طرق الضياع سالكين ومن الأبواب والِجين.
تذكرت شبابًا انعقدت في قلوبهم عقيدةً راسخة، ثابتة، وأن هذه الحياة ما هي إلا  دار ممرٍ لا دار مقر، وأنها لا شك زائلة، وعمّا قليلٍ راحلة، حلالها حساب، وحرامها عقاب، لهوٌ ولعبٌ. كثيرها قليل، وعزيزها ذليل، ومُلاكها مرتهنون قيد أعمالهم، إن أسّرت يومًا أحزنت أيامًا، وإن أضحكت ساعة أبكت أعوامًا، فلم يأنسوا بها دارًا وقرارًا، بل اتخذوها ممرًا ومضمارًا، ومزرعة لهم للآخرة. عملوا بوصية علماء بني إسرائيل الربانين الذين أخبر الله عنهم في كتابه حيث قال عز من قائل على لسانهم عندما أسدوا نصيحة وأمروا بمعروفٍ لطاغية ذاك الزمن قارون:  ﴿وابتغي فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنسى نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغِ الفساد في الارض إن الله لايحب المفسدين﴾، وشبابٌ أكل هم الدنيا قلوبهم، وأعيا أفكارهم وأسقم أجسادهم، تراهم بحبها سكارى وماهم بسكارى، أمواتًا فيها و يحسبون أنهم أحيا، قد خرجوا منها وما ذاقوا أنعم وأفضل مافيها، وكأنها الباقية الخالدة، وتالله ماهي بذلك.
وإن تعجب أخي القارئ فإني اقول لا عجب من ذلك؛  فإنها الثقافة الغربية الدخيلة التى تخمرت على المدى الطويل في عقول أجيال شباب الإسلام في تقليدهم للغرب، في تعاملهم مع الحياة الدنيا على أنها السرمدية الأبدية وأنَّ ليس بعدها بعثٌ ونشور، حسابٌ وعقاب، جنةٌ ونار، فيهما القرار إما رغيدًا وسرور وحبور، أو خزيٌّ وعار وشنار.
تذكرت شبابًا اتخذوا من عقيدة الولاء لله ورسوله والمؤمنين، والبراء من الكفر والنفاق وأهله زادًا ورداءً، ولسان حالهم يردد قول الله -تعالى-: ﴿يا أيها الذين آمنوا لاتتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لايهدي القوم الظالمين﴾، وشباب تراهم للكفار أولياء وللفسّاق وأعداء الإسلام أوفياء، ولحطام مالديهم أذِلاء، باعوا الذي هو أعلى وأفضل وأعز بالذي هو أدنى وأخس وأذل علموا بذلك ام لم يعلموا..
فيا حسرةً على ما اجترحوا، ويا أسفاه على ما فعلوا ويا للندم على ما اقترفوا.تذكرت شبابًا قرؤوا حديث نبيهم -عليه الصلاة والسلام- وعقلوه في تحذيرهم من مغبة ضياع الوقت والسؤال عن العمر، حيث قال -عليه الصلاة والسلام- كما عند الترمذي من حديث أبي برزة الأسلمي نضلة بن عبيد -رضي الله عنه- :«لا تزولُ قدَما عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يسألَ عن أربعٍ، عن عُمرِهِ فيما أفناهُ، وعن عِلمِهِ ما عملَ بِهِ، وعن مالِهِ من أينَ اكتسبَهُ وفيما أنفقَهُ، وعن شبابِهِ فيما أبلاهُ»، وشباب لا يبالون بالوقت فيما يُهدر، ولا بالعمر فيما يُنذر، ولا بالأيام فيما فيها يُدخر.  فوَعجباه من تفاضلٍ بين الصنف الأول والصنف الثاني، ويا عجباه من علو همم الصنف الأول ودُنوها عند الثاني.
اُخيّ، الخيار لك فحدد موقفك، فإن أمامك خياران وممران لا ثالث لهما، إما أن تكون من الفئة الناجية والظافرة فتفرح بلا حزن، وتسعد بلا شقاء وتُعز بلا ذل وتحيا حياة الأولياء الذين لسان حالهم و مقالهم ما قاله خباب بن عدي -رضي الله عنه-: 
وما بي حذار الموت إني لميت 
ولكن حذاري جحم نار ملفعِ 
ولست أبالي حين أقتل مسلماً 
على أي جنب كان في الله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ
يبارك على أوصال شلو ممزعِ
أو تكون مع الفئة الأخرى التى نسأل الله تعالى أن يهديهم سواء السبيل وان يَمنَّ عليهم بالرشاد إلى صراطه المستقيم.
فالخيار لك اُخيَ فحدد موقفك.