• القسم
    مقالات توعية وإرشاد
  • عنوان المقال
    الحياء جمال للروح وكمال للدين
  • كتابة
    يعقوب القبلي
  • مراجعة
    سلام الزبيري

الحياء جمال للروح وكمال للدين

Course Image

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله ﷺ، وبعد:
من المعلوم والمعروف عند الجميع أن الحياء خلقٌ عظيمٌ حث الإسلام عليه، وقد ورد عن النبي ﷺ أنه قال: «لكل دينٍ خُلُق وخلق الإسلام الحياء»؛ فالحياء من المسائل المركزية في ديننا الحنيف وليس كما يظن البعض بوضعه في مدار القضايا الثانوية والفرعية، ولو كان كذلك لما جعله الرسول ﷺ «خُلق الإسلام» وميزه من بين كل الأخلاق، وهذا ليس إلا لأنه أصلُ كل الأخلاق، فإذا انُتزِعَ الحياءُ انتُزِعَت الأخلاقُ كلها، فهو كجذرِ الشجرة وبقية الأخلاق أغصانٌ لها.
ومن القصص القرآنية والتي تأتي في سياق الحديث عن الحياء، قصة نبي الله موسى عليه السلام مع ابنتي شعيب -عليه السلام- والتي ذكرت عدة أمور متعلقة بالحياء، ودلت عليه بعبارات عميقة ومحدودة.
قال تعالى واصفًا حال موسى -عليه السلام- وهو يكلم ابنتي شعيب: ﴿وَلَمّا وَرَدَ ماءَ مَديَنَ وَجَدَ عَلَيهِ أُمَّةً مِنَ النّاسِ يَسقونَ وَوَجَدَ مِن دونِهِمُ امرَأَتَينِ تَذودانِ قالَ ما خَطبُكُما قالَتا لا نَسقي حَتّى يُصدِرَ الرِّعاءُ وَأَبونا شَيخٌ كَبيرٌ﴾ وقال تعالى: ﴿فَجاءَتهُ إِحداهُما تَمشي عَلَى استِحياءٍ قالَت إِنَّ أَبي يَدعوكَ لِيَجزِيَكَ أَجرَ ما سَقَيتَ لَنا فَلَمّا جاءَهُ وَقَصَّ عَلَيهِ القَصَصَ قالَ لا تَخَف نَجَوتَ مِنَ القَومِ الظّالِمينَ﴾.
وقد ذكر المفسرين عدة دروس مستخرجة من الآيات السابقة منها:
قوله تعالى: ﴿ما خَطبُكُما قالَتا لا نَسقي حَتّى يُصدِرَ الرِّعاءُ﴾ يتضح من الآية السابقة جواز تحدث الرجل مع المرأة عند الحاجة لذلك ولا يجب الاسترسال في الكلام وفك زمام اللسان، وهذا ما فعله نبي الله موسى -عليه الصلاة والسلام-؛ فإنه ذكر المسألة مباشرة فقال: ما خطبكما، ولم يأتي بمقدمات لا طائل منها كالتحية وسؤال الحال ..الخ ، وبالمثل فعلت ابنتا شعيب حيث اختصرتا الكلام بقولهن ﴿لا نَسقي حَتّى يُصدِرَ الرِّعاءُ وَأَبونا شَيخٌ كَبيرٌ﴾ فقولهما وأبونا شيخ كبير هو جواب للسؤال التالي الذي سوف يسأله موسى عليه السلام وذلك اختصارًا للمحادثة.
إذًا، من هنا نستنتج أنه يجوز الكلام بين الجنسين بما يحقق المراد فقط ولا يجوز الاسترسال.
وبالمثل فإنه يجوز للمرأة أن تقضي حاجياتها من السوق وغيره ولكن ضمن الضوابط الشرعية، فابنتي شعيب -عليه السلام- خرجتا بين المجتمع لسقي الأغنام ولكن لم يخالطن الرجال ويزاحمنهم.
في الآية: ﴿فَجاءَتهُ إِحداهُما تَمشي عَلَى استِحياءٍ قالَت إِنَّ أَبي﴾
في هذه الآية تساؤل، هل الاستحياء المقصود في المشي أم في القول أم في كليهما معا؟
للآية قراءتان:
الأولى: ﴿فَجاءَتهُ إِحداهُما تَمشي عَلَى استِحياءٍ «وقوف» قالَت إِنَّ أَبي يَدعوكَ﴾وهنا تدل الآية على أن الاستحياء في المشي لا في القول.
الثانية: ﴿فَجاءَتهُ إِحداهُما تَمشي «وقوف» عَلَى استِحياءٍ قالَت إِنَّ أَبي يَدعوكَ﴾ وهنا يدل على أن الإستحياء في القول.
ويمكن جمع الأمرين بقول أن الإستحياء المذكور في القول والمشي، وهذا الأمر ليس خاص بابنتي شعيب -عليه السلام- وإنما عام على كل النساء، فالمرأة مكلفة بإلتزام الحياء في قولها ومشيها وسائر أمرها.
وليس معنى الاستحياء في القول أن يكون متراخيًا ولا أن يكون مرتفعًا، بل يكون وسطًا تحصل به الغاية كما يُعلَم، وليس معنى الاستحياء في المشي أن تمشي بتراخي وغنج ولا أن تمشي بسرعة وهرولة بل أن يكون وسطًا.
فالمعنى: أن تكون المرأة محتشمة بكل حالاتها، وأن يقابل الرجال ذلك بغض البصر، قال الشاعر:
وأغض طرفي إن بدت لي جارتي
حتى يواري جارتي مأواها

وقد أحسن من قال:
غضُ البصر فرضٌ حتى ولو تبرجَت كلُ النساء، والحِجاب فرض حتى ولو بين أطهر الرجال.

فالحياء من سجايا النفس البشرية السوية فإن انتزع الحياء من النفس انتزعت السوية فصار الإنسان كالحيوان!
والخوف كل الخوف من إتباع الغرب بصورته هذه «حذو القذة بالقذة» وأن نغتر بشعاراتهم الزائفة التي تسلب المرء حيائه تحت غطاء مصطلحات كـ «تحرير المرأة» وغيرها، فهذه المصطلحات وإن بدت فاضلة فإنها ليست إلا وسيلة لإنتزاع الحياء والحشمة من المرأة فتصبح فريسة سهلة للذئاب الجائعة.
قد يكون البعض مستاءً لما أقول ولكن هذه هي الحقيقة المُرَّة التي لا يمكن الهروب منها..ولست أعني بهذا شخص بعينه ، بل القارئ والكاتب والرجال والنساء مطالبين بالحياء وان تباينوا في ذلك، فالحياء مطلوب أكثر من النساء؛ لأنه من كمال أنوثة الأنثى.

الخلاصة:
فلنعد بأخلاقنا إلى ما كان عليه الرسول ﷺ وأصحابه، ولنكن في حيائنا كما كان رسول الله ﷺ، فإنه كان أشدَّ حياءً من العذراء في خدرها.
قال الشافعي:
يعيش المرء ما استحيا بخيرٍ ويبقى العود ما بقي اللحاء

فالحياء لا يأتي إلا بخير.