• القسم
    مقالات توعية وإرشاد
  • عنوان المقال
    رُبان سفينتك
  • كتابة
    علي الأزرق
  • مراجعة
    سلام الزبيري

رُبان سفينتك

Course Image

منذُ الوهلة الأولى التي برزت فيها نواجذي نحو الحياة، كان في مقتبل الأمر معتركٌ وصراع بيني وبين نفسي الأمارة بالسوء! كنت أروضها، وأحاول اختيار كل ما هو نفيسٌ لها ويستحق أن يُصرف العمر في سبيله ومن أجله، غير أنها كانت تأبى ذلك، وتأبى إلا أن تسير في مراميها المعتادة، بين اللهو واللعب، غير مدركةً لهولِ الهوةِ التي أحدثتها ثغرة الانفلات، وعدم التربص في الأشياء التي تربيها، وتصقلها، لتخرجها إلى النور الوضاء، النور الذي لا تشوبهُ شائبة.. مع مرور الوقت؛ تطلعت للكثير من الكتب، والكثير من الأشياء التي شأنها شأن التوجه المعرفي، فكانت هذه الخطوة من أنفس الخطوات التي أقدمت عليها، واخترت أن أجد معها المعنى المفقود طوال الفترة التي قضيتها بعيدًا عن تلك الأروح والأفكار المتطايرة بين دفتي كل كتاب! كلما قرأت، كلما اتسعت الأبواب أمامي، حتى لكأنني حائرٌ يبحث عن نافذةٍ لِيُطل بها نحو عالمٍ آخر، وحياةِ أخرى تنتظره، حياة لم يكن بوسعي الولوج إليها، ولا هي ستقبلني على تلك الحالة والهيئة، حتى قرأت وتقررت في مطلع كتابٍ جملةً كانت أثيرةً بمعنى الحرف "بالمعنى المجمل"، كانت وكأنها تُنادي عليّ؛ مفادها: «أنا أفكر إذًا أنا غير موجود»، حتى بدى ليّ الأمر في مطلعها أنها عادية، ولن اكترث لها؛ ثم فُوجئِت كيف وأنها تنخر فيّ، تأخذني مني إلى مآرب كنت قد غفلت عنها، فمذْ وأنا طفلًا أحب قراءة المجلات، والتطلعِ فيها، غير أن حبي وشغفي الأكبر يكمن في تخطيّ العقد الموجودةِ آخر كل مجلةٍ كنت أقرأها.

من فترةٍ إلى أخرى، من شطٍ إلى آخر، حتى أخذت منحنًى يرضيني ويرضي الشغف الكامن فيّ. بدأت تقصيّ الكتب بوفرة، واتطلع على ما هو نفيسٌ ويستحق أن يُقرأ.. لقد كنت كمن يبحثُ عن إبرةٍ في كومةِ قشٍ، ورغم علمي بأني سأجد تلك الإبرة مهما طال الوقت، إلا أنني كنت موقنًا يقينًا تامًا بأن نافذة ما ستطلُ عليّ من بقعةٍ ما، لتُعيد ترتيب ما أحدثته رتابة الحياة في سبيل اللاشيء.. وفعلًا وجدت النافذة، ونتج عن تطلعي لتلك الكتب الحصول على المعنى الذي من خلاله ستسير حياتي، وستصب في مرامها الصحيح بعد أن كان مصبها في الوحل المختلط.


ما أردت إيصاله لك، هو أن هناك فترة في حياتك هي ما تكون دائمًا نقطة الوصل بينك وبين معالمك، بينك وبين أن تكون أنت بعيدًا عن كل متحصلات الحياة. الاستثمار جيد في حياتك، وخاصةً إن كان استثمار وجداني يثمر عن مخرجات نبيلة تخدمك وتخدم مجتمعك حتى وإن كان الاستثمار ضئيلٌ في البداية، إلا أنه سيكون المكون الحقيقي لكون وجودك على هذه الحياة.. وتذكر دائمًا "ما السيل إلا اجتماع النقط".

حياتك بين يديك! أنت محركها وربانها، فاصرفها فيما يرضي خالقك ويرضيك، فلن ينتشلك أحد من أي وحلٍ أقبلت عليه بنفسك، وكن الشاب الذي ذُكر في الحديث إذ يقول في مطلعه: "سبعةٌ يُظلهم الله في ظله، يوم لا ظل إلا ظله" فجاء ذكر أحدٍ منهم "وشابٌ نشأ في طاعة الله".. فلا تصرف عمرك في سبيل اللاشيء؛ أقرأ كثيرًا، وفتش عن ثورة المعاني.. أبحث عنك دائمًا، ولا تنجر وتنجرف خلف ما يصدك عن المعنى والغاية التي خلقت من أجلها؛ ألا وهو "النشأ في طاعة الله وعبادته".